هيأ فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية الظروف للتغيير ولكنه لم يحدث بعد بعكس ما تعتقد وسائل الإعلام وعامة الناس.
بعيداً عن أن فوز ترامب بالرئاسة يُعد “ثورة” فأن توليه قيادة النظام الغربي جاء إتماماً للتطرف الذي ساد في ظل الحكم السابق، فترامب في واقع الأمر هو أحد عناصر النظام الغربي الذي أخفق في التأقلم ويسعى في الوقت الحالي إلى فرض سيطرته بلهجة تنطوي على عنف واضح وتستهدف مواطنين وأمم تتبنى نماذج سياسية واقتصادية مغايرة، وبناء عليه ستتغير طريقة هذا النظام لكن لن تتغير أهدافه ومبادئه الرئيسية.
وفي ظل كل هذه الشكوك يجب أن ندرك الآن التحديات القادمة التي تهدد باقي دول العالم ولاسيما منطقة اليورو فمن المتوقع من الناحية العملية أن تنحصر فرص استقلال الدول الأوروبية لكن هل بإمكاننا مواجهة هذه التحديات؟
ارتفاع وانخفاض الدولار: التناقض الظاهري في سعر الصرف
يبدو أن اليورو لم يستطع أن يؤدي دوره كعملة دولية بل اقتصر على أن يكون عملة مساندة للدولار الأمريكي لذا لا يمكن توقع مستقبل اليورو إلا بعد فهم مستقبل الدولار.
شكل 1: القيمة الدولية للعملات: الدولار الأمريكي واليورو والين – 1979-2014: BIS
بالرغم من توقع الجميع انهيار سوق الأسهم وانخفاض قيمة الدولار الأمريكي عقب فوز ترامب إلا أن ذلك لم يحدث بل حدث عكس ذلك فالأسواق في ارتفاع مستمر وذلك لأن برنامج القائد المنتخب الذي يبدو غير واضحاً تتطلب الكثير من الديون الجديدة [2]. هذه الديون تحتاج إلى بعض الاستثمارات التي يمكن إعادة تطويرها في الأسواق المالية وربما تحدث دورة جديدة من التسهيل الكمي أو ماشابه ذلك وعلينا أن نعرف مدى استفادة البورصات الأمريكية من هذه الإجراءات.
شكل 2- تطور مؤشر داو جونز خلال شهر: بدأ الارتفاع مع بداية الانتخابات – المصدر: سي إن بي سي
أدت نفس طريقة التفكير إلى ارتفاع أسعار فائدة السندات الأمريكية نظراً لتوقع زيادة تمويل المدينين الذين سيسعون جاهدين لإيجاد من يمولهم ومما لا شك فيه سترتفع معدلات التضخم عقب تنفيذ الإجراءات الاحتياطية، حيث يترتب على زيادة أسعار الفائدة الحاجة إلى توفير الأموال النقدية في الولايات المتحدة نظراً لارتفاع أرباحها وزيادة قيمة الدولار لزيادة الطلب عليه.
هل سيستعيد الدولار الأمريكي الواهن قوته؟ هل يمكن أن يتحقق ذلك في ظل سياسة ترامب؟ هذا غير حقيقي، فمع زيادة الحواجز الحدودية ستتراجع حركة التجارة تلقائياً بين الولايات المتحدة وباقي دول العالم مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار الأمريكي وضعف قيمة العملة الأمريكية، وقد أصبح أثر التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الواردات أقل وضوحاً حيث أن هذا الأثر يعتمد على أسعار الفائدة التي من شأنها خفض معدلات التضخم المتوقعة بغرض جذب المستثمرين، لكن هذه الأسعار لم تعد بيد السوق الحر (منذ عام 2009 تقريباً) بسبب عمليات نظام الاحتياطي الفيدرالي، وتحتاج الولايات المتحدة إلى عملة ضعيفة حتى يتسنى لها الحفاظ على حجم الصادرات في ظل إجراءات الحماية التي سيفرضها شركائها التجاريين على صادراتها.
لكن هل للولايات المتحدة حق الاختيار؟ يُعد سعر فائدة السندات السيادية عائق أمام الإجراءات التحفيزية المغايرة التي سيتخذها ترامب (المحفزات الكينزية بخفض الضرائب وعدم رفع الديون) فهذا السعر هو أكثر نقطة كاشفة لمشاعر المستثمرين الحقيقية الذين يتسائلون هل ستظل الولايات المتحدة قادرة على الاقتراض؟ وإلى متى ستظل قادرة على الاقتراض؟ وبعملية حسابية مختصرة وبسيطة [3] يتضح أن الحكومة الفيدرالية قامت عام 2015 بسداد 223 مليار دولار من فوائد الديون، وسوف تتضاعف هذه النفقات في حال زيادة معدل الاقتراض بنسبة 1% فقط على الدين البالغ قيمته 19.8 تريليون دولار أمريكي، ومن الضروري لسداد هذه النفقات زيادة الموازنة الاتحادية بأكثر من 5% (فقد بلغت قيمة الموازنة 3,700 مليار دولار أمريكي عام 2015) وليس خفضها كما يريد ترامب، وذلك دون احتساب خطط تجديد البنية التحتية التي يقدمها ترامب، لقد ارتفع سعر فائدة السندات البالغ مدتها 10 سنوات بنسبة 0.4% في أسبوع واحد فقط وهذا أمر خطير للغاية وغير واقعي.
شكل 3- سعر فائدة السندات الأمريكية البالغ مدتها 10 سنوات – من أكتوبر إلى نوفمبر 2016 – المصدر: بلومبرج
بالإضافة إلى ما تقدم وناهيك عن صدمة ارتفاع أسعار الفائدة للشركات والأسر المعيشية الأمريكية الذين تم تخديرهم بالقروض الميسرة، هناك فقط ثلاثة خيارات ممكنة:
ملاحظات:
1. لقد باءت بالفشل عام 2010 كافة محاولات تنظيم الجهاز المالي الاقتصادي الغربي التي بدأت عام 2008، ويُعد قانون فرانك دود والهجمات التي يشنها الجمهوريون أحد أهم أسباب عملية الإصلاح بعد أزمة ليمان براذرز. المصدر: لوس أنجلوس تايمز – 13/01/2015
2. المصدر: فورتشن، 11/11/2016
3. المصدر: ويكيبديا